بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، وبعد :
فقد وقع تساؤل من بعض المؤمنين حول الدور الفقهي للإمام أبي محمد الحسن العسكري ( عليه السلام) ، ومن المعلوم أن قصر عمر الإمام الهمام (عليه السلام) والظروف السياسية القاهرة ، ومتابعة وملاحقة حكام الجور ، وفرضهم الإقامة الجبرية والحصار الجائر على الإمام (عليه السلام) كل ذلك كان له الدور الكبير في تقييد حركة الإمام ومنعه من القيام بأدواره بشكل طبيعي ، وهذا ما حال بين الأمة وبين الاستفادة منه (عليه السلام) بالنحو المطلوب .
فقد استمر التنكيل والقتل والتهجير من عهد المتوكل والمعتز ومن سبقهما إلى المهتدي الذي أمر بسجن الإمام وقد تولى سجنه صالح بن وصيف ، ثم جاء المعتمد وكرر سجن الإمام عند علي بن جرين ، و هكذا مضت حياة أبي محمد العسكري (عليه السلام) القصيرة حيث كان عمره الشريف حين شهادته تقريبا 28 سنة ، ومع ذلك فقد أنتشر من علومه ما تسير به الركبان في العقيدة والفقه والأخلاق والتفسير ، ويكفي للوقوف على دوره الثقافي العظيم أن من كتب الحسن بن خالد البرقي تفسير العسكري ، وهو مائة وعشرون مجلداً ، وهنا نذكر بعض الأحكام الفقهية المستفادة منه (عليه السلام) جواباً عن التساؤل الواقع عن دوره الفقهي :
1ـ قال الشيخ (رحمه الله)في النهاية في مجرد الفقه والفتوى ص 433: ( 1 – وكتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد العسكري ، عليه السلام : رجل اشترى من رجل بيتا في دار له بجميع حقوقه ، وفوقه بيت آخر ، هل يدخل البيت الأعلى في حقوق البيت الأسفل ، أم لا ؟ فوقع عليه السلام : ليس له إلا ما اشتراه في سهمه وموضعه ، إن شاء الله . 2 – وكتب إليه في رجل اشترى حجرة أو مسكنا في دار بجميع حقوقها ، وفوقها بيوت ومسكن آخر ، هل يدخل البيوت الأعلى والمسكن الأعلى في حقوق هذه الحجرة والمسكن الأسفل الذي اشتراه ، أم لا ؟ فوقع : ليس له من ذلك إلا الحق الذي اشتراه ، إن شاء الله . 3 – وكتب إليه في رجل قال لرجلين : اشهدا أن جميع الدار التي له في موضع كذا وكذا بجميع حدودها كلها لفلان بن فلان وجميع ماله في الدار من المتاع ، والبينة لا تعرف المتاع : أي شئ هو . فوقع ، عليه السلام : يصلح إذا أحاط الشراء بجميع ذلك ، إن شاء الله . 4 – وكتب إليه رجل كانت له قطاع أرضين في قرية ، وأشهد الشهود : أنه قد باع هذه القرية بجميع حدودها ، فهل يصلح ذلك أم لا ؟ فوقع ، عليه السلام : لا يجوز بيع ما ليس يملك ، وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك ) .
2ـ و قال العلامة في تحرير الأحكام : (الثاني : قال الشيخ ( رحمه الله ) : من حلف بالبراءة من الله أو من رسوله أو من أحد الأئمة ( عليهم السلام ) ، كان عليه كفّارةُ ظهار ، فإن عجز كان عليه كفّارة يمين ) وقال ابن إدريس : يأثم ولا كفّارة عليه ، وروى ابن بابويه قال كتب محمد بن الحسن [ الصفار ] إلى العسكري ( عليه السلام ) في رجل حلف بالبراءة من الله أو من رسوله فحنث ما توبته وكفّارته ؟ فوقّع ( عليه السلام ) : يطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدٌّ ،
ويستغفر الله عزّ وجل . وعلى هذه الرواية أعمل ).
3ـ وقال العلامة في التذكرة ج1 ص 346: (ويحفر لمصب الماء حفيرة يدخل فيها الماء ، فإن تعذر جاز أن يصب الماء إلى البالوعة . ويكره صبه إلى الكنيف ، قال محمد بن الحسن الصفار : وكتبت إلى أبي محمد العسكري عليه السلام هل يغسل الميت وماؤه الذي يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف ؟ فوقع ” يكون ذلك في بلاليع “). وقال في ج1 ص 386 : (ويستحب أن يغسل غسلة بتسعة أرطال من ماء كالجنب ، والواجب الإنقاء ، لقول العسكري عليه السلام : ” حده يغسل حتى يطهر إن شاء الله ” ). وقال في ج2 ص105 : (تكره أشياء : … ب – حمل ميتين على جنازة واحدة ، لأن الصفار كتب إلى العسكري عليه السلام أيجوز أن يجعل الميتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة وقلة الناس ؟ وإن كان الميت رجلا وامرأة يحملان على سرير واحد ويصلى عليهما ؟ فوقع عليه السلام ” لا يحمل الرجل والمرأة على سرير واحد ” ). وقال في ج2 ص121: (يجوز شق الثوب في موت الأب ، والأخ لأن الهادي عليه السلام لما قبض شق العسكري عليه السلام قميصه من خلف وقدام ). وقال في ج5 ص381: (مسألة 288 : الجنس في الفطرة ما كان قوتا غالبا ، كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن ، لرواية أبي سعيد ، قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وآله ، صدقة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط . ومن طريق الخاصة : قول العسكري عليه السلام : ” ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط ” . ولأنه مقتات ، فجاز إخراجه كالبر ، وهذا عام فيمن قوته الأقط ومن لم يكن ، وفيمن وجد الأصناف المنصوص عليها ومن لم يجد ).
4ـ و قال العلامة في المختلف ج 6 ص403: (وقال في النهاية : إذا أوصى إلى نفسين وشرط أن لا يمضيا الوصية إلا بعد أن يجتمعا لم يكن لكل واحد منهما الاستبداد بما يصيبه ، فإن تشاحا في الوصية والاجتماع لم ينفذ شئ مما يتصرفان فيه ، إلا ما يعود بمصلحة الورثة والكسوة لهم والمأكول ، وعلى الناظر في أمور المسلمين حملهم على الاجتماع على تنفيذ الوصية والاستبدال بهم إن رأى ذلك أصلح في الحال ، وإن لم يكن الموصي قد اشترط عليهما ذلك جاز لكل واحد منهما أن يستبد بما يصيبه ويطالب صاحبه بقسمة الوصية ) ، وكذا قال ابن البراج ، وهو يعطي أنه مع الإطلاق يجوز التفرد . والمعتمد الأول . لنا : إنه شرك بينهما في النظر فلم يكن لأحدهما الانفراد . وما رواه محمد بن الحسن الصفار في الصحيح قال : كتبت إلى أبي محمد العسكري – عليه السلام – رجل أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف ؟ فوقع – عليه السلام – : لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت ، وأن يعملا على حسب ما أمرهما إن شاء الله . قال الصدوق – رحمه الله – : والتوقيع عندي بخط الإمام – عليه السلام – ).
5ـ و قال الشهيد الأول في غاية المراد ج3 ص 463: ( الرابع : يلزم مع الحنث إطعام عشرة مساكين لكلّ مدّ ، والاستغفار ، واختاره في المختلف ، لصحيحة محمّد بن يحيى ، قال : كتب محمّد بن الحسن الصفّار إلى أبي محمّد العسكري عليه السلام في رجل حلف بالبراءة من الله ورسوله فحنث ، ما توبته وكفّارته ؟ فوقّع عليه السلام : « يطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، ويستغفر الله عزّ وجلّ » ).
6 ـ وقال صاحب الجواهر ج15 ص523: ( ومن هنا قال المصنف : ( ثم الزبيب ) وإن ساواه في التعليل المزبور ، وفي كونه قوتا وإداما ( ويليه ) أي الزبيب ( أن يخرج كل انسان ما يغلب على قوته ) لمكاتبة الهمداني العسكري ( عليه السلام ) المتقدمة سابقا المحمولة على الندب قطعا وإجماعا محكيا ومحصلا ، بل لها قال في الخلاف المستحب ذلك ….. بل في الخلاف الاستدلال على الشافعي باجماع الفرقة على الرواية المروية عن أبي الحسن العسكري ( عليه السلام ) في تصنيف أهل الأمصار وما يخرجه أهل كل مصر وبلد ، وبذلك تتفق عبارات الأصحاب ، بل والنصوص بناء على كون المراد من قوله ( عليه السلام ) ” مما يغذون عيالاتهم ” وقوله عليه السلام ” كل من أقتات قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت ” ما هو الغالب من اتفاق معظم البلد في القوت الغالب ، هذا ….) وقال في ج 33 ص 179 : ( الأولى : ) ( من حلف بالبراءة ) من الله تعالى شأنه أو من رسوله صلى الله عليه وآله سلم أو من الأئمة عليهم السلام المراد بها هنا نفي التعلق دينا ودنيا من سائر الوجوه ، وكذا ما في معناها ( فعليه كفارة ظهار ، فإن عجز فكفارة يمين ) في المحكي عن الشيخين وجماعة ، بل عن الغنية الاجماع عليه ، بل عنها ذلك بمجرده وإن لم يحنث ، كما عن الطوسي والقاضي . خلافا للمحكي عن المفيد والديلمي من ترتبها على الحنث ، وعن ابن حمزة عليه كفارة نذر ، وعن الصدوق أنه يصوم ثلاثة أيام ويتصدق على عشرة مساكين ، ولعله لخبر عمر بن حريث المتقدم في المسألة السابقة بناء على أن ما فيه للحلف بالبراءة ، وعن التحرير والمختلف التكفير باطعام عشرة مساكين ، لكن مسكين مد ، ويستغفر الله تعالى شأنه ، للصحيح ” كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد العسكري عليه السلام رجل حلف بالبراءة من الله ورسوله فحنث ما توبته وكفارته ؟ فوقع عليه السلام يطعم عشرة مساكين ، لكل مسكين مد ، ويستغفر الله عز وجل ” ولا بأس بالعمل بمضمونها لصحتها كما في المسالك).
7ـ و قال السيد الخوئي في المعتمد ج ص340 : ( إن ما دل على اعتبار ضم اليمين في اثبات الدين على الميت إنما هو روايتان .
الأولى : مكاتبة الصفار إلى أبي محمد ( أي العسكري ) ( عليه السلام ): هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل ؟ ) ثم ذكر في ذيله ( أو تقبل شهادة الوصي على الميت مع شاهد آخر عدل فوقع : نعم من بعد يمين ) .
وقد روى هذه الرواية المشايخ الثلاثة ولكن يظهر من الصدوق أن الراوي هو الصفار والمكاتب شخص آخر . وكيف كان الرواية معتبرة سندا والمستفاد منها ثبوت الدين على الميت مع الحلف وعدم ثبوته بشاهدة العدلين فقط …. الرواية الثانية : عن ياسين الضرير عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ( قال قلت للشيخ (عليه السلام ) وإن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان وأن حقه لعليه فإن حلف وإلا فلا حق له لأنا لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها ) الحديث ….ولكن الرواية ضعيفة السند بياسين الضرير فإنه لم يوثق ، فليس في البين إلا المكاتبة المتقدمة …).
هذه بعض الموارد التي أفاد فيها الفقهاء الكبار من روايات الإمام العسكري (عليه السلام) .
والحمد لله رب العالمين
حيدر السندي
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً