من يا ترى هذا الشهيد… السعيد؟!
إنه سويد بن عمرو بن أبي المطاع الانماري الخثعميّ شيخ شريف، عابد كثير الصلاة، كان رجلا ً شجاعا ً مجربا ً في الحروب… كتب الله تعالى له توفيق الالتحاق بالركب الحسيني الشريف في كربلاء، وكان ممن ثبت مع أصحاب سيّد الشهداء الحسين سلام الله عليه… إذ تلقوا سهام الاعداء وهم صفوف بين يدي إمامهم لما رماهم عسكر ابن سعد حين رمى سهم الفتنة شرارة خبيثة لإيقاد الحرب. فنهض الأصحاب بعد أن لم يبق منهم أحد إلا أصابه شيء من سهام اللؤماء.. نهضوا رغم ما أصابهم ليحملوا حملة واحدة – على قلتهم، فاقتتلوا ساعة، فلما انجلت غبرة الحملة إلا عن خمسين شهيدا ً منهم.
وما بقي إلا الأقل القليل، يواجهون جيشاً أصطف آلافا ً مؤلفة، فبرزوا بروح التضحية، والعزة والكرامة، وفيهم ذلك الشيخ الشهم سويد بن عمرو الخثعميّ، يبرز الرجل منهم بعد الرجل.. يقاتلون فيُكثرون القتل في عسكر عمر بن سعد، حتى صاح عمرو بن الحجاج بأصحابه ضجراً. وكانت المنازلة، رجل من الأصحاب يبرز، فيبرز له عشرات من جيش النفاق والخيانة والغدر. واستشهد الأصحاب فلم يبق منهم إلا رجلان: أحدهما بشرُ بن عمرو الحضرميّ، وسويدُ بن عمرو الخثعميّ… فتقدّم سُويد!
نعم … تقدّم سويد بن عمرو الخثعميّ إلى ساحة الطفّ بكربلاء، بعد أن استأذن إمام زمانه الحسين عليه السلام، وقد رأى صاحبه بشر بن عمرو الحضرميّ قد استشهد إمامه، فخرج سويد يرتجز ويقول:
أقدِم حسين اليوم تلقى أحمدا
وشيخك الحبر عليا ً ذا الندى
وحسنا ً كالبدر وافى الاسعدا
وعمَّك القرْم الهمام الارشدا حمزة ليث الله يُدعى أسدا
وذا الجناحين تبوّى مقعدا
فقاتل قتال الاسد الباسل. وبالغ في الصبر على الخطب النازل، حتى اُثخن بالجراح ووقع على وجهه بين الشهداء… فلم يزل كذلك وليس به حراك، فظُن أنه قُتل. ولم يستطع سويد أن ينهض، حتى استشهد بنو هاشم وآل أبي طالب، وحتى استشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه، فسمع سُويد ـ وقد أعياه نزيف الدم ـ من عسكر ابن سعد يتصايحون: قُتل الحسين! فوجد سويد في نفسه إفاقة، فتحامل أن ينهض منتقماً لإمامه وقد غلت دماؤه غيرة ً وغضبا ً، وكان معه سكين قد خبأها في خُفّه، فاستلها ولم يكن عنده غيرها، فجعل يقاتلهم مترنحا ً بسكينه، فتعطفوا عليه فقتله عروة بن بكار التغلبيّ، وزيد بن ورقاء الجُهنيّ، وكان سويد بن عمرو آخر شهيد بعد الحسين عليه السلام يوم الطف.
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً