رجل شجاع فاتك محب ّ لأهل البيت النبوي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن أصحاب الشجرة ، وكان في غزوة الحديبية وخيبر ملازما ً للنبي لم يشذّ عنه ، وكنيته ” أبو مجزأة”، سكن الكوفة وكان صاحبا ً لعمرو بن الحمق الخزاعي ، إلى أن حجّ سنة ستين للهجرة والتقى هناك بالإمام الحسين ( عليه السلام) فلم يفارقه حتى يوم العاشر من المحرّم ،مستشهدا بين يديه في الحملة الأولى. وقد ذكرت ترجمة وافية لعمرو بن الحمق الخزاعي في ” الكلمة التامّة ” وهذه رواية ذكرها الطبري والقاضي النعمان المصري في دعائم الإسلام لما لها من دخل في ترجمة صاحب الإمام – عليه السلام – . وكان عمرو بن الحمق من الذين بشّرهم رسول الله بالجنة وعاش بعد شهادة أمير المؤمنين ( عليه السلام) ، وقد جدّ معاوية في البحث عنه لانه كان من أصحاب حجر بن عدي في عهد ولاية زياد بن أبيه على الكوفة وكانا قدأقاما مجلسا ً كبيرا ً في مسجد الكوفة لمناصرة أمير المؤمنين والدفاع عنه ، وكانا يتلوان أحاديث الإمام في كل حين ، ففرّقهم زياد ، ويروي الطبري :
كان زياد بن أبيه على المنبر فحصبه عمرو بن الحمق بالحصى وأعانه على ذلك زاهر بن عمرو لانه كان صاحبه وكانا متّحدين قولا ً وفعلا ً ، فقام زياد ينظر إليهم وهو على المنبر ( ففشوا بالعمد) فضرب رجل ( من الحمراء ) يقال له ” بكر بن عبيد ” رأس عمرو بن عبيد بعمود فوقع ، فعجّل إليه ناس من الأزد فطافوا به . وأتاه أبو سفيان بن عويمر والعجلان بن ربيعة وهما رجلان من الأزد فحملاه فأتيا به دار رجل من الأزد يقال له ” عبيد الله بن مالك ” فخبّأه بها لم يزل بها متواريا ً حتى خرج منها الى أن أرسل معاوية إلى زياد بحبس عمرو بن الحمق وصاحبه زاهر بن عمرو وسوقهما إلى الشام ، فلم يظفر بهما زياد فخرج عمرو بن الحمق من الكوفة متخفّيا ً واختبأ بغار قريب من الموصل فبلغ العامل خبرهما فأرسل في طلبهما فلم يقو عمرو على الفرار ولكن زاهر استوى على فرسه فناداه عمرو : ما تريد أن تصنع ؟
فقال زاهر : أذب ّ عنك بسيفي ، فقال : وما يغني سيفك عنّي وعنك ولكن انج بنفسك من القوم ، فحمل عليهم زاهر واجتازهم عودا ً على فرسه فخالوه عمرا ً بن الحمق لذلك لمّا قبضوا عليه سألوه : من أنت ؟ قال : أنا من إن تركتموه كان خيراً لكم ، وان قتلتموه كان شرّاً لكم ، فما عرّفهم بنفسه ، فساقوه الى عامل الموصل عبد الرحمن بن عثمان الثقفي المعروف بابن أُمّ الحكم وهو ابن اخت معاوية ، فعرف عمرا ً وكانت معاوية بقصّته فأرسل اليه معاوية ان عمرا ً بن الحمق طعن عثمان بخنجر فافعل به ما فعله بعثمان ، ثم أخرجوه وطعنوه فخنجر فمات بالطعنة الثانية .
وقال القاضي النعمان المصري في دعائم الاسلام : هرب عمرو بن الحمق من معاوية الى الجزيرة وصاحبه رجل من اصحاب علي ّ ( عليه السلام) يُدعى زاهر بن عمرو الكندي حتّى اذا أراحوا ليلاً في أحد الوديان لدغت حيّة عمرا ً فلمّا أصبح كان الورم قد استشرى في بدنه كلّه ، فقال لزاهر : ابتعد عنّي ما استطعت واتركني لان حبيبي رسول الله أخبرني إنّ الجن والانس يشتركان في دمي ، وبناءا ً على هذا فإني مقتول لا محالة ، فقد بان لي من شدّة سريان السمّ في جسمي أنها آخر أيامي من الدنيا وانا ميت حتما ً وسيصل العدو هذه الساعة ، فبينما هما يتحاوران وإذا بآذان الخيل قد ظهرت وهي تطلبهما فقال عمرو : قم يا زاهر واستخف حتى أُقتل ويفصلوا رأسي عن جسمي ، فإذا تركوني فوار جسدي . فقال زاهر : لا أفعل ذلك أبدا ً ، فلن أفارقك ولن أتخلّى عن نصرتك وسأناضلكم حتّى آخر سهم ، فاذا فنيت سهامي أُقتل معك .
فقال له عمرو بن الحمق : أقسمت عليك ألاّ تفعل إلا ما أقول لك ، لأن ذلك ينفعك منفعة كبرى . ولمّا فرغ عمرو من حديثه أطاعه زاهر و اختبأ عن عدوّه ، ثم قطعوا رأس عمرو بن الحمق ورفعوه على رأس الرمح وحملوه من بلد الى بلد الى ان بلغوا به الشام . قال في (نفس المهموم ): فظهر ان زاهرا ً كان من أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام) وخصّ بمتابعة عمرو بن الحمق الخزاعي – ولهذا قيل له مولى عمرو بن الحمق فالمولى في هذا المقام بمعنى التابع ، وقدوفّق بموالاته ودفنه ثم ساقته السعادة الى أن رُزِق نصرة الحسين ( عليه السلام) والشهادة بين يديه كسبا لمرضاة الرب، وكان من أحفاده أبو جعفر محمد بن سنان ( الزاهري) ( من أصحاب الكاظم والرضا والجواد ( عليه السلام) وقد توفي الزاهري سنة 220 وهو يروي عن الرضا والجواد ( عليهما السلام) ، واختلف فيه علماء الرجال فعدّه الشيخ المفيد من الثقات ، وتوقّف العلّامة بشأنه ، وضعّفه الشيخ الطوسي والنجاشي والغضائري ، وقال المقامقاني بعد خمس صفحات : والأقوى عندي أنّه ثقة صحيح الاعتقاد .
————-
موقع العتبة الحسينية
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً